عبدالرحمن نشوان أبوراس - في ظل ما تشهده اليمن من تحولات سياسية معقدة وصراعات متعددة الأبعاد، برزت محافظة حضرموت مؤخرًا كساحة محورية ضمن خارطة جديدة يُعاد رسمها بهدوء، لكنها تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة على اتجاهات التقسيم. ما يحدث اليوم في حضرموت من حراك سياسي وصعود نخب جديدة، لا يمكن فصله عن المسار العام الذي بدأ منذ سنوات تحت مسميات متعددة، أولها كان "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والهدف الخفي واحد: تمزيق اليمن إلى كيانات متنازعة تُدار بالوكالة.
بدأ المشروع من بوابة "استعادة الجنوب"، لكنه اليوم يتوسع تحت شعارات مثل "التمثيل الحضرمي" و"الخصوصية الثقافية"، وهي شعارات تبدو في ظاهرها حقوقية، لكن في جوهرها تحمل ملامح مشروع انفصالي ناعم يُراد له أن يتسلل إلى الوعي المحلي ويستبدل مفهوم الدولة بالهُوية المناطقية.
ما يزيد من خطورة هذا المشهد هو الدعم الواضح الذي تتلقاه هذه النخب من أطراف إقليمية تسعى إلى خلق كيانات صغيرة وضعيفة، يسهل توجيهها والتحكم بمسارها السياسي والاقتصادي. لقد تحولت المطالب العادلة لأبناء حضرموت في إدارة مواردهم ومناطقهم إلى واجهة تُستخدم لتفريغ الدولة من الداخل، تمامًا كما حدث سابقًا مع مكونات أخرى تم تلميعها إعلاميًا ثم زُج بها في مشروعات التجزئة.
الشرعية الغائبة: بين العجز والخيانه
في خضم كل ذلك، تظهر الشرعية اليمنية – التي كان من المفترض أن تكون المدافع الأول عن وحدة الوطن ومؤسساته – في موقف العاجز التام. لم تعد قادرة على بسط سيطرتها، ولا حتى على الدفاع عن وجودها السياسي. بل الأدهى من ذلك، أن بعض رموز الشرعية باتوا أداة لتكريس الانقسام، إما عبر التواطؤ أو من خلال الصمت المُطبق.
لقد تحولت الشرعية إلى واجهة هشة، تُستخدم لتغطية قرارات لا تعبّر عن الإرادة الوطنية، بل تخدم مصالح خارجية تعمل على تقويض الدولة المركزية. وهذا الفراغ القيادي سمح بتمدد الكيانات الطارئة والمكونات المناطقية التي تُهدد النسيج الاجتماعي، وتحوّل المطالب المحلية إلى مشاريع سياسية تُغذي التمزق.
أبعاد الخطر القادم
تفكك الدولة: تتآكل المؤسسات المركزية لصالح سلطات محلية تُكرّس النفوذ الذاتي، وهو ما يُنذر بتشظي فعلي في الخارطة اليمنية.
تحول الهُوية الوطنية إلى هويات صدامية: إذ يُعاد تعريف الانتماء على أسس جغرافية ومناطقية، مما يفتح الباب أمام صراعات جديدة على النفوذ والشرعية.
تفريغ حضرموت من دورها الوطني: تُدفع المحافظة نحو التماهي مع مشاريع تقسيمية، ما يُفقدها مكانتها كصوت حكيم ومعتدل في المشهد الوطني.
تشريع لمشاريع انفصال مستقبلية: فاليوم الحديث عن "إقليم حضرموت"، وغدًا قد نرى مشاريع مماثلة في المهرة وشبوة وسقطرى، ضمن مخطط أكبر يهدف لتفكيك اليمن.
ختامًا، فإن ما يجري في حضرموت لا يمكن فصله عن سياق إقليمي واسع يسعى لإضعاف اليمن عبر بوابة الفوضى الناعمة. المطلوب اليوم وقفة جادة من كل القوى الوطنية، قبل أن نستيقظ على يمن لم نعد نعرف ملامحه، ويصعب ترميمه بعد فوات الأوان.
|